أقوال مأثورة عن العدل

العدل في الأقوال المأثورة: جوهر القيم وميزان الحياة

العدل هو الركن الأسمى في بنية المجتمعات المستقرة، وهو القيمة التي تحفظ الحقوق وتمنع الظلم وتحقق التوازن بين الأفراد والجماعات. لا تُبنى حضارة ولا تستقيم شريعة ولا تصحّ دولة إلا إذا قامت على دعائم العدل. وقد حظي العدل بمكانة خاصة في مختلف الثقافات والحضارات، فعبّر الحكماء والفلاسفة والمصلحون، منذ أقدم العصور، عن أهمية العدل وضرورته في أقوالهم المأثورة التي حملت خلاصة التجارب والرؤى المتراكمة في فهم طبيعة الإنسان والمجتمع. هذا المقال يعرض مجموعة غنية من الأقوال المأثورة عن العدل، ويحلل مضامينها في ضوء السياقات الدينية والفكرية والتاريخية التي نُسجت فيها، ليكون مرجعًا وافرًا في تقدير مكانة العدل في الفكر الإنساني.

العدل في التراث الإسلامي

الإسلام رفع من شأن العدل إلى مرتبة العبادة، وقرن تحقيقه بالتقوى والخشية من الله، وقد ورد في القرآن الكريم قوله تعالى:

﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ﴾ [النحل: 90]، وقوله أيضًا:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ﴾ [النساء: 135].

ومن الأقوال المأثورة عن العدل في التراث الإسلامي:

• عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟”
  
  وهو قول خالد قيل في سياق إنكار الظلم الذي وقع من أحد الولاة، يعبر عن عظمة قيمة العدل والمساواة في الإسلام.

• علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “العدل أساس به قِوام العالم، وجماع الأمر كله.”
  
  ويعني أن استقامة الكون والنظام الاجتماعي لا يتحققان إلا بتحقيق العدل، وأنه القاعدة التي تبنى عليها كل القيم الأخرى.

• الإمام علي أيضًا: “العدل أفضل من الشجاعة، لأن العدل يحيي، والشجاعة تميت.”
  
  في هذا القول يظهر تفوق العدالة على القوة، لأن العدل يصنع الحياة الآمنة بينما قد تقود الشجاعة إلى الحرب والدمار إن لم تُقيَّد بالعدل.

• عبد الملك بن مروان: “أحبّ الأمور إلى الله ثلاثة: القصد في الغنى، والعفو في المقدرة، والعدل في السلطان.”
  
  وهنا يربط الخليفة بين التوازن الأخلاقي والاقتصادي والسياسي، ويجعل العدل التاج الذي يتوّج الحاكم الصالح.

أقوال مأثورة عن العدل من الفلاسفة والمفكرين

الفكر الفلسفي الإنساني، منذ الإغريق وحتى فلاسفة التنوير، تعامل مع العدل بوصفه المبدأ الأخلاقي الأعلى، فظهرت مفاهيم العدل الطبيعي، والعدالة الاجتماعية، والعدالة القانونية، وارتبط العدل بالمواطنة، والقانون، والحكم الرشيد.

• أفلاطون: “العدل هو أن يؤدي كل إنسان ما عليه، ولا يتعدى على ما ليس له.”
  
  يرى أفلاطون أن العدل يتحقق عندما يعرف الإنسان حدوده ويؤدي واجباته دون تجاوز أو طمع في حقوق الآخرين.

• أرسطو: “العدل هو الفضيلة الكاملة، وهو ممارسة الفضائل كلها تجاه الآخرين.”
  
  فالعدل عند أرسطو ليس مجرد قيمة بين القيم، بل هو خلاصة جميع القيم الأخلاقية مجتمعة، وهو ما يجعل منه حجر الزاوية في الأخلاق.

• جون لوك: “حيث لا قانون، لا يوجد عدل.”
  
  في تأكيده على مركزية القانون لتحقيق العدالة، يجعل لوك من القانون أداة لتنظيم الحقوق والواجبات، ووسيلة لمنع الفوضى.

• جان جاك روسو: “العدالة الاجتماعية تبدأ عندما تتوقف الامتيازات.”
  
  يرى روسو أن العدل لا يمكن أن يتحقق في ظل الفوارق المصطنعة والامتيازات الوراثية التي تعرقل تكافؤ الفرص.

• مارتن لوثر كينغ: “الظلم في أي مكان تهديد للعدل في كل مكان.”
  
  يؤكد كينغ في نضاله من أجل الحقوق المدنية أن العدل لا يتجزأ، وأن الظلم الذي يقع على فرد أو جماعة يهدد كيان المجتمع بأسره.

العدل في الموروث الشعبي العربي

في التراث الشعبي العربي، نجد أن الحكمة التي توارثها الناس جيلًا بعد جيل، كثيرًا ما عبّرت عن التقدير العميق لقيمة العدل، وكان العدل معيارًا للتقويم الأخلاقي والاجتماعي.

• “العدل أساس الملك.”
  
  مثل شهير يختصر فلسفة الحكم العادل، ويضع العدل كركيزة لا غنى عنها لاستمرار السلطة واستقرار الدول.

• “الحق فوق القوة، والعدل فوق القانون.”
  
  حكمة تشير إلى أن الغاية من كل القوانين والقوة السياسية يجب أن تكون خدمة العدالة لا مجرد فرض السيطرة.

• “إذا غاب العدل، صار الحق ضعيفًا.”
  
  وهذا القول يعكس كيف يتحول الحق إلى صرخة في الفراغ إذا لم يكن محميًا بقوة العدل.

• “ما يضيع حق وراه مطالب.”
  
  مثل شعبي يعكس الإيمان بأن العدالة ستتحقق في نهاية المطاف، مهما طال الظلم، ما دام هناك من يطالب بحقه.

العدل في الشعر العربي

لم يغفل الشعراء عن هذه القيمة السامية، فقد زخرت قصائدهم بالدعوة إلى العدل والتحذير من الظلم، ومن أبرز ما قيل:

• المتنبي:
  
  إذا أنت أكرمت الكريم ملكتهُ
  
  وإن أنت أكرمت اللئيم تمرّدا
  
  في هذا البيت يظهر العدل في الإنصاف بين الناس، ومعرفة من يستحق الإكرام ومن لا يستحقه، وهي صورة من صور العدل الأخلاقي.

• أحمد شوقي:
  
  العدلُ تاجُ الحاكمين إذا
  
  شُرّفوا بالتاج أو بغيره
  
  يشير شوقي إلى أن أعظم شرف يناله الحاكم ليس التاج أو المنصب، بل عدله بين رعيّته.

جدول: مقارنة بين مفاهيم العدل في مختلف الحضارات

أثر العدل في استقرار المجتمعات

العدل لا يُعد مجرد قيمة أخلاقية، بل هو ضرورة وجودية لاستقرار أي مجتمع. الدول التي تنهار فيها العدالة تُفتح فيها أبواب الفوضى، وتتفشى فيها المحسوبية، ويتآكل فيها الإحساس بالانتماء الوطني. وقد دلت دراسات في علم الاجتماع على أن العدالة المؤسسية والقضائية تزيد من شعور المواطنين بالأمان، وتقلل من معدلات الجريمة، وتزيد من نسب الإنتاج والرضا المجتمعي. كذلك، العدالة التربوية والعدالة الصحية والعدالة الاقتصادية هي ركائز لا يمكن للمجتمعات الحديثة أن تتطور دون ترسيخها.

أقوال خالدة في العدالة عبر العصور

• غاندي: “العدالة التي تأتي متأخرة هي في الحقيقة ظلم قائم.”

• توماس جيفرسون: “العدل لا يتحقق بالصدفة، بل هو نتيجة قوانين عادلة وقضاء نزيه.”

• نيلسون مانديلا: “لا يمكن تحقيق العدالة في مجتمع يُعامل فيه الناس حسب لونهم أو أصلهم.”

• أبراهام لنكولن: “إذا لم يكن القانون عادلًا، فعلى الناس أن يثوروا من أجل العدالة.”

خاتمة تحليلية

العدل ليس مجرد شعار يُرفع في الخطب، بل هو منهج حياة يُقاس به رقي الأفراد وتقدّم الأمم. وكل قول مأثور عن العدل ليس إلا صدىً لحقيقة أزلية مفادها أن الإنسان لا يبلغ كماله إلا بالعدل، وأن المجتمعات لا تبلغ أمنها إلا عندما يُصبح العدل واقعًا لا أمنية. وما دامت هناك أقوال خالدة تصف العدل وتمجّده، فإن من واجبنا أن نُفعّلها في السلوك والقرارات والسياسات، لأن العالم لا يُدار بالقوة فقط، بل بالعدل الذي يمنح للسلطة شرعيتها وللقانون قوته وللحياة معناها.

المراجع:

• القرآن الكريم

• ابن القيم، “الطرق الحكمية”

• أفلاطون، “الجمهورية”

• روسو، “العقد الاجتماعي”